يقول سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "يَقُول تَعَالَى نَاهِيًا عِبَاده عَنْ الزِّنَا وَعَنْ مُقَارَبَته وَمُخَالَطَة أَسْبَابه وَدَوَاعِيه {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة} أَيْ ذَنْبًا عَظِيمًا، {وَسَاءَ سَبِيلًا} أَيْ وَبِئْسَ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَزِيد بْن هَارُون حَدَّثَنَا جَرِير حَدَّثَنَا سُلَيْم بْن عَامِر عَنْ أَبِي أُمَامَة أَنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا رَسُول اللَّه اِئْذَنْ لِي بِالزِّنَا"، فَأَقْبَلَ الْقَوْم عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: "مَهْ مَهْ"، فَقَالَ: «ادْنُهْ»، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا فَقَالَ: «اِجْلِسْ»، فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّك؟»، قَالَ: "لَا وَاَللَّه, جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك"، قَالَ: «وَلَا النَّاس يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِك؟»، قَالَ: "لَا وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك"، قَالَ: «وَلَا النَّاس يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ»، قَالَ «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِك»، قَالَ "لَا وَاَللَّه, جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك"، قَالَ: «وَلَا النَّاس يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِك؟»، قَالَ: "لَا وَاَللَّه", جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك قَالَ: «وَلَا النَّاس يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ»، قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِك؟»، قَالَ: "لَا وَاَللَّه، جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك"، قَالَ: «وَلَا النَّاس يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ»، قَالَ فَوَضَعَ يَده عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اِغْفِرْ ذَنْبه وَطَهِّرْ قَلْبه وَأَحْصِنْ فَرْجه»، قَالَ فَلَمْ يَكُنْ بَعْد ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِت إِلَى شَيْء، وَقَالَ اِبْن أَبِي الدُّنْيَا حَدَّثَنَا عَمَّار بْن نَصْر حَدَّثَنَا بَقِيَّة عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ الْهَيْثَم بْن مَالِك الطَّائِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «مَا مِنْ ذَنْب بَعْد الشِّرْك أَعْظَم عِنْد اللَّه مِنْ نُطْفَة وَضَعَهَا رَجُل فِي رَحِم لَا يَحِلّ لَهُ».
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴿٦٨﴾ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴿٦٩﴾ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 68-70].
قال الإمام ابن كثير: "قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد اللَّه هُوَ اِبْن مَسْعُود قَالَ: سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيّ الذَّنْب أَكْبَر؟"، قَالَ: «أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك»، قَالَ: "ثُمَّ أَيّ؟"، قَالَ: «أَنْ تَقْتُل وَلَدك خَشْيَة أَنْ يَطْعَم مَعَك»، قَالَ: "ثُمَّ أَيّ؟"، قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك».
وَقَالَ النَّسَائِيّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَة بْن سَعِيد حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ مَنْصُور عَنْ هِلَال بْن يَسَاف عَنْ سَلَمَة بْن قَيْس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع «أَلَا إِنَّمَا هِيَ أَرْبَع»، فَمَا أَنَا بِأَشَحّ عَلَيْهِنَّ مُنْذُ سَمِعْتهنَّ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; «لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا»
قال جل وعلا: {ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3].
قال ابن كثير: "وَقَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ تَعَاطِيه وَالتَّزْوِيج بِالْبَغَايَا أَوْ تَزْوِيج الْعَفَائِف بِالرِّجَالِ الْفُجَّار . وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدَّثَنَا قَيْس عَنْ أَبِي حُصَيْن عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، قَالَ: "حَرَّمَ اللَّه الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ". وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو" أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اِمْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول كَانَتْ تُسَافِح وَتَشْتَرِط لَهُ أَنْ تُنْفِق عَلَيْهِ قَالَ فَاسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرهَا قَالَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان، فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه» [صححه الألباني].
قال صلى الله عليه وسلم: «لاتزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا؛ فأوشك أن يعمهم الله بعذاب» [قال الألباني حسن لغيره].
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية؛ فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» [قال الألباني حسن لغيره].
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت» [قال الألباني صحيح على شط مسلم].
وفي حديث ابن عمر أيضًا رضي الله عنهما، قوله: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط؛ حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» [صححه الألباني].
فالزنا لحظة عابرة، وشهوة عارمة، ونزوة شهوانية عاقبتها وخيمة، وآثارها سيئة، فهي لذةٌ تذهب سريعًا، وتضمحلّ عاجلاً، فيبقى العار ، وغضب الخالق الجبار.
جاء في صحيح البخاري في حديث المنام الطويل أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور - قال: وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟... قال:... هؤلاء الزناة والزواني».
والأعظم أن يقوم بهذه الجريمة من اقترب من القبر ولا يتذكر سوء الخاتمة والمصير، قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم (قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم)، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» [رواه مسلم].
وليبشر كل شاب تقي نقي عفيف بقول رسول الله فيما رواه الشيخان: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه»، وذكر منهم: «رجل طلبته ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله».
فحفظ الفروج عن الفواحش مما تزكو به النفوس، وتسلم به المجتمعات، وتصان به الأعراض، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30-31].
قال الإمام ابن كثير: "هَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَنْظُرُوا إِلَّا إِلَى مَا أَبَاحَ لَهُمْ النَّظَر إِلَيْهِ وَأَنْ يُغْمِضُوا أَبْصَارهمْ عَنْ الْمَحَارِم فَإِنْ اِتَّفَقَ أَنْ وَقَعَ الْبَصَر عَلَى مُحَرَّم مِنْ غَيْر قَصْد فَلْيَصْرِفْ بَصَره عَنْهُ سَرِيعًا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث يُونُس بْن عُبَيْد عَنْ عَمْرو بْن سَعِيد عَنْ أَبِي زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير عَنْ جَدّه جَرِير بْن عَبْد اللَّه الْبَجْلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: "سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَة الْفَجْأَة فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِف بَصَرِي". وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ هُشَيْم عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد بِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثه أَيْضًا وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح وَفِي رِوَايَة لِبَعْضِهِمْ فَقَالَ: «أَطْرِقْ بَصَرك»، يَعْنِي اُنْظُرْ إِلَى الْأَرْض وَالصَّرْف أَعَمّ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون إِلَى الْأَرْض وَإِلَى جِهَة أُخْرَى، وروى أَبُو دَاوُد من حديث عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: «يَا عَلِيّ لَا تُتْبِع النَّظْرَة النَّظْرَة فَإِنَّ لَك الْأُولَى وَلَيْسَ لَك الْآخِرَة»، وَفِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوس عَلَى الطُّرُقَات»، قَالُوا: "يَا رَسُول اللَّه لَا بُدّ لَنَا مِنْ مَجَالِسنَا نَتَحَدَّث فِيهَا"، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرِيق حَقّه»، قَالُوا: "وَمَا حَقّ الطَّرِيق يَا رَسُول اللَّه؟"، - قَالَ: «غَضّ الْبَصَر وَكَفّ الْأَذَى وَرَدّ السَّلَام وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر». وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: «مَنْ يَكْفُل لِي مَا بَيْن لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْن رِجْلَيْهِ أَكْفُل لَهُ الْجَنَّة»، وعَنْ عُبَيْدَة قَالَ: "كُلّ مَا عُصِيَ اللَّه بِهِ فَهُوَ كَبِيرَة، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّرَفَيْنِ فَقَالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ}، وَلَمَّا كَانَ النَّظَر دَاعِيَة إِلَى فَسَاد الْقَلْب كَمَا قَالَ بَعْض السَّلَف: النَّظَر سَهْم سُمّ إِلَى الْقَلْب. وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللَّه بِحِفْظِ الْفُرُوج كَمَا أَمَرَ بِحِفْظِ الْأَبْصَار الَّتِي هِيَ بَوَاعِث إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ}، وَحِفْظ الْفَرْج تَارَة يَكُون بِمَنْعِهِ مِنْ الزِّنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} الْآيَة، وَتَارَة يَكُون بِحِفْظِهِ مِنْ النَّظَر إِلَيْهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث فِي مُسْنَد أَحْمَد وَالسُّنَن: «اِحْفَظْ عَوْرَتك إِلَّا مِنْ زَوْجَتك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينك»؛ {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} أَيْ أَطْهَر لِقُلُوبِهِمْ وَأَتْقَى لِدِينِهِمْ كَمَا قِيلَ مَنْ حَفِظَ بَصَره أَوْرَثَهُ اللَّه نُورًا فِي بَصِيرَته. وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد بسنده عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِم يَنْظُر إِلَى مَحَاسِن اِمْرَأَة ثُمَّ يَغُضّ بَصَره إِلَّا أَخْلَفَ اللَّه لَهُ عِبَادَة يَجِد حَلَاوَتهَا»، وَقَدْ قَالَ كَثِير مِنْ السَّلَف إِنَّهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ أَنْ يُحِدّ الرَّجُل نَظَره إِلَى الْأَمْرَد وَقَدْ شَدَّدَ كَثِير مِنْ الأَئِمَّة فِي ذَلِكَ وَحَرَّمَهُ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم لِمَا فِيهِ مِنْ
ولقد امتدح الله جل وعلا الحافظين فروجهم والحافظات، وجعل ذلك من سمات الفلاح، وعلامات الفوز والنجاح فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 1ـ 7].
وفي المسند بسند صحيح أنه قال: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت».
فاتقوا الله عباد الله واجتنبوا محارم الله والتزموا حدود الله وإياكم والعبث في الأعراض ففيها فساد للمجتمع كله.
وإن من الممهدات لهذا الفعل القبيح فعل اجتماعي خاطئ انتشر في ديار الإسلام ألا وهو المعاكسات, سواء في الطرقات أو الهواتف أو عن طريق المحادثات الالكترونية.
لذا أحببت أن نقف على هذا الحوار الهادئ لمناقشة مغبة المعاكسات وهو من بحث على الشبكة العنكبوتية عالج هذا المرض الخطير من كافة جوانب؛ فقد يقوم البعض منا بأعمال يكون دافعه لها الشهوة المجردة دون التفكير المتعقل لعواقبها ومن ذلك ما يقوم به المعاكس للنساء لذا نقول له: دعنا نقف معك قليلا ونلقي الضوء على ما تقوم به:
1 ـ إن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ويعني ذلك أنك تساهم في إفساده إرضاء لشهوتك وكان من المفترض ـ وأنت ابن الإسلام ـ أن تسهم في إصلاحه... فهل ترضى لمجتمعك وفتياته الفساد؟!
2 ـ إن الفتاة التي تعاكسها وتسعى إلى أن تفعل بها الفاحشة أو أنك قد فعلت: إنما هي في المستقبل إن لم تكن زوجة لك فهي زوجة لقريبك أو لأحد من المسلمين وكذلك الفتاة التي عاكسها غيرك وساهم في إفسادها قد يبتليك الله بها عقوبة لك في الدنيا قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [ النور: 26].
3 ـ إن فساد النساء يعني فساد المجتمع وقد يبدأ من شخصك أو مما تساهم في تنشيطه وينتهي في المستقبل مع قريباتك ومن أفسدتها اليوم أنت أو غيرك، قد تكون صديقة لزوجتك أو أختك أو قريبتك ويقمن بإفسادها ودلالتها على طريق الغواية.. فهن جزء لا يتجزأ من مجتمعك وقد حذر نبيك من مغبة الأمر فقال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم].
4 ـ إن كانت الفتاة ترضى أن ترتبط معك في علاقة محرمة فما ذنب أهلها بتدنيس عرضهم؟، ثم هل طواعيتها لك عذر مقبول لاعتدائك؟... بمعنى آخر لو أن أحداً من الناس بنى علاقة غير مشروعة مع أختك ثم اكتشفت ذلك فهل يكفيك عذرا أن يقول لك من هتك عرضك: هي التي دعتني لذلك لتغفر له خطيئته؟
وأسوق لك حديث رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، ائذن لي في الزنا"، فزجره الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أترضاه لأمك؟»، قال: "لا يا رسول الله، جعلني الله فداك، ومن يرضاه لأمه؟"، قال صلى الله عليه وسلم: «وكذلك الناس لايرضونه لأمهاتهم»، أترضاه لزوجتك؟»، «أترضاه لخالتك؟»، «أترضاه لعمتك؟»، وفي كل مرة يقول الشاب: "لا يارسول جعلني الله فداك ومن يرضاه لأخته"، "ومن يرضاه لزوجته"، "ومن يرضاه لخالته وعمته"، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: «وكذلك الناس لا يرضونه» ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدر هذا الغلام فقال: «اللهم طهر قلبه واغفر نبه وحصن فرجه»، يقول الشاب: "فما عاد شيء إلى أكره من الزنا" [رواه أحمد عن أبي أمامة].
يا هاتكاً حرم الرجال وتابعــاً *** طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزني في قوم بألفي درهم *** في أهله يزني بربع الدرهـــــم
إن الزنا دين إذا استقرضتـــه *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
5 ـ لو خيرت بين الموت أو أن يهتك عرضك ماذا تختار؟، إذًا كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الناس؟!
6 ـ ما هو الشعور الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نسائه؟!
7 ـ هل يكفيك من الفاحشة أن تقوم بها مرة ـ مرتين ـ ثلاث أم أن الشيطان يريد لك الهلاك؟!؛ فالأمر لا يتوقف وهو مسلسل سقوط خطير في دنياك وأخرتك قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [سورة فاطر: 6].
8 ـ سمعت عن القول المأثور: "الجزاء من جنس العمل".. فهل أنت مستعد أن تبتلى في عرضك الآن أو حتى بعد حين مقابل التنفيس عن شهواتك؟!
قد تقول: "أتوب قبل أن أتزوج أو أرزق بنتًا"، فأسألك: "هل تضمن أن الله يقبل توبتك ولا يبتليك،
قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [سورة الشورى: 40]، واعلم أن الذئاب كثير ولك أم وأخت وزوجة وبنت وابنة عم وابنة خال.. فاحذر وانتبه!!
قال الشافعي رحمه الله:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليــق بمســـلم
إن الزنى ديــــن فإن أقرضته *** كان الوفاء بأهل بيتك فاعلم
9 ـ إذا صنف الناس إلى صنفين: مصلحين ومفسدين فأين تصنف نفسك؟، وقد نهى الله عز وجل عن الفساد قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا..} [ الأعراف: 56].
10 ـ ما هو شعورك وأنت تفعل الفاحشة بزانية يدخل عليك والداك وإخوانك وكل صديق يثق بك ويحبك وكل عدو يود أن يشمت بك ثم الناس كلهم ويرونك على هذه الحال بل ما هو موقفك وأنت بعيد عن أعينهم في مأمن لكن عين الله تراك؟، وهل تذكرت وقوفك بين يدي الله في أرض المحشر عندما «ينصب لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان» كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري.
11 ـ إن كنت ذكيا وحاذقا واستطعت بذكائك التلاعب بأعراض المسلمين دون أن يكتشف أمرك فما هو موقفك من قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].
12 ـ هل تظن أن ستر الله عليك في هذا العمل كرامة؟، لا بل قد يكون استدراجا لك لتموت على هذا العمل وتلاقي الله به كما جاء في الحديث «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» [رواه البخاري]، «ومن مات على شيء بعثه الله عليه» [صححه الألباني].
13 ـ ثم لنفترض أن الله ستر عليك، أفلا تستحي منه وتتوب، وإلى متى وأنت تفعل الذنوب؟
14 ـ نهاية طريق حياتك الموت {ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} [البقرة: 281]، فهل تستطيع أن تشذ عن الخلق وتغير هذا الطريق؟، إذاً لماذا لا تستعد للموت وما بعده والقبر وظلمته والصراط وزلته؟، واعلم أنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
15 ـ روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ـ وذكر الحديث حتى قال : فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا»، فلما سأل عنهم الملائكة قالوا: «وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني».
فهل تود أيها الشاب أن تكون منهم؟!
16 ـ قد تقول لا أستطيع الزواج لغلاء المهور فهل الحل الوقوع في الحرام؟، ثم إن سلوكك طريق الحرام تواجهك فيه مصاعب وتسعى جادا لتذليلها بجهدك ومالك وفكرك وأنت مأزور غير مأجور فلماذا لا تكون لك هذه الهمة في طريق الحلال فتواجه الصعوبات، وأنت مأجور لك الأجر وحسن المثوبة والذكر الحسن؟، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث حق على الله عونهم» ـ ذكر منهم ـ «الناكح يريد العفاف» [أخرجه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني].
فمـــاذا تختـــــار؟
إن ممارسة الشيء والاستمرار عليه مدعاة لحبه والدعوة إليه فيخشى على من داوم فعل هذه الفاحشة أن يستسيغها حتى في أهله بعد حين فيصبح ديوثا والعياذ بالله من ذلك.
أخي المسلم... قد تكون المرأة التي بدأت معها علاقة غير مشروعة عن طريق الهاتف متزوجة وفي لحظة ضعف أو غياب وعي استرسلت معك في الحديث ثم قمت بالتسجيل كالعادة ثم بدأت بتهديدها.. الخ، هل تعلم أنك بهذا العمل قد ارتكبت جريمة شنعاء؟!! ليس في حق المرأة فقط بل وفي حق زوجها الذي أفسدت عليه زوجته والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منا من خبب ـ أفسد ـ امرأة على زوجها» [رواه أبو داود وصححه الألباني]، ثم في حق أطفالها إن كان لديها أطفال فما ذنبهم أن يدنس عرضهم ويفرق بين أبويهم وقد يكون ذلك أيضا سببا في ضياعهم وانحرافهم... والمسؤول عن ذلك كله هو أنت فما هو عذرك أمام الله؟
وختاما ... نتمنى أن لا تكون أخي الشاب ممن قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206]، ولكن عد إلى الله واعلم أن التوبة تَجُب ما قبلها واسع إلى التوبة النصوح قبل أن توسد في قبرك وتحصى عليك أعمالك.
قال تعالى: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 39].
وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿٥٣﴾ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ..} [الزمر: 53-54].
هذا وبالله التوفيق, أترككم في رعاية الله وأمنه...